“كوب 28”.. فرصة لطرح ملفات الأردن المائية وبمقدمتها “الناقل الوطني”

في إطار العدّ التنازلي لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب 28)، أكد خبراء في قطاع المياه أهمية استثمار فرصة المشاركة الأردنية؛ لطرح ملفّات مائية ذات أولوية ملحّة، على طاولة المفاوضات الدولية.

واعتبر المختصون، في تصريحات لـ”الغد”، أن هذه الفعالية العالمية، التي يقارب عدد المشاركين فيها 70 ألف شخص بين قادة من مختلف دول العالم، ومسؤولين وخبراء ومنظمات دولية وناشطين وإعلاميين، فرصة؛ لطرح ملفات المياه الأردنية الأساسية، والتي تمثل سبلا لا بديل منها، في عبور المملكة، نحو برّ الأمان.

ففيما أكدت نداءات عالمية وأممية أهمية إدراج المياه بصفتها محور عمل رئيسيا في جميع الإجراءات المتعلقة بالمناخ، حثّ الخبراء على ضرورة حشد وجمع التمويل اللازم للشروع وبالسرعة الممكنة لتنفيذ أهم مشروع أردني إستراتيجي يحقق الأمن المائي الوطني، وهو مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر الأحمر في العقبة، والهادف لتحلية نحو 300 مليون متر مكعب سنويا من المياه، سيما وأنه “مؤهل للاستفادة من أموال التغير المناخي”.

ودعا المختصون إلى ضرورة تبني إعلان مشروع نوايا “عربي – عربي” خلال أعمال مؤتمر كوب 28 المقرر عقده في دبي نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي، وذلك بحثا في جدوى مشروع إقليمي مشترك للطاقة والمياه، وضمن تعاون عربي مشترك.

وفي هذا السياق، أكد الأمين العام الأسبق لوزارة المياه والري علي صبح، ضرورة طرح أولوية صياغة اتفاقات تعاون مع الدول العربية ذات المياه المشتركة، بهدف التقليل من آثار العجز المائي الناجم عن التغيرات المناخية.

وأشار صبح إلى إمكانية التعاون مع دول الجوار العربية لتصدير الطاقة المتجددة من الأردن، مقابل تزويد الأردن بالمياه من تلك الدول، وفق اتفاقيات وصياغات محددة، مشدد على أن الأولوية الاستراتيجية العليا لدى الأردن هي التعجيل في تأمين التمويل اللازم لتنفيذ “الناقل الوطني للتحلية”، عبر منح قروض ميسرة.

وأشار إلى أهمية دعم الأردن في مسيرة مشاريعه المرتبطة بالصرف الصحي، وتوسيع قاعدة تغطية السكان بتلك المشاريع، بما يشمل توسعة وتطوير محطات معالجة الصرف الصحي القائمة، بالإضافة للتأكيد على دعم تقليل الفاقد المائي، والمحافظة على المياه الجوفية واستدامتها.

وفي حين توصف المياه بأنها محور أزمة تغير المناخ، حيث ترتبط 9 من كل 10 ظواهر مناخية بالمياه، أكد الأمين العام الأسبق لسلطة المياه إياد الدحيات، أولوية حشد التأييد والتمويل الأخضر لصالح مشروع الناقل الوطني للمياه؛ بهدف “زيادة المنح المتعهّد بها باعتباره المشروع ذا الأولوية القصوى لتحقيق الأمن المائي، كما جاء في التوجيهات الملكية والبرنامج التنفيذي لتنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي”.

وأشار الدحيات إلى أهمية “عرض قصص النجاح لمشاريع التكييف و/أو الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة التي تم تنفيذها في قطاع المياه، بهدف حشد التمويل الأخضر من القطاع الخاص أو مبادلة الديون بالعمل المناخي”.

وشدّد على أهمية ذلك في سياق إمكانية “تنفيذ مشاريع مماثلة لها في قطاع المياه، وبالتالي تحقيق التزامات الحكومة، ومن أهمها مشروع محطة الخربة السمراء لمعالجة الصرف الصحي الذي يحقق ثنائية التكيف والحد من الانبعاثات، ومتلازمة الصرف الصحي والطاقة النظيفة والزراعة”.

وبين أن المحطة تعالج 70 % من مياه الصرف الصحي في المملكة، وتعتبر مكتفية ذاتيا بنسبة 80 % من الطاقة النظيفة عبر توليد غاز الميثان والمولدات الكهرومائية، وتوفر 170 مليون متر مكعب من المياه المعالجة لأغراض الزراعات المقيدة في وادي الأردن بعد خلطها مع مياه سد الملك طلال، وبالتالي تساهم في زيادة منعة المزارعين وتعزيز الأمن الغذائي.

واستعرض قصص نجاح أخرى، كمشروع كفاءة الضخ في محطات ضخ المياه الرئيسية التي تم تنفيذها وساهمت في الحد من الانبعاثات، وتخفيض فاتورة الطاقة بنسبة تصل إلى 15 % في محطات زي والزارة – ماعين والأزرق ووادي العرب والزرقاء وغيرها.

ولفت إلى ضرورة طرح أهمية “الخطط اللازمة لإنشاء أنظمة الإنذار المبكر للفيضانات والتنبؤ بالجفاف والمخاطر ذات الصلة للتقليل من خطر الكوارث فيما يتعلق بأنظمة المياه المختلفة وأهمها السدود، والاستفادة من الحلول المستمدة من الطبيعة لمعالجة توافر المياه وجودتها، وإعادة تغذية المياه الجوفية من المياه الناتجة عن الفيضانات المتكررة”.

كما أشار إلى أهمية متابعة المبادرة الملكية التي طرحت في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP 27)، والتي ربطت بين ثنائية اللجوء والتغيرات المناخية، وضرورة مساعدة الدول المستضيفة للاجئين في ظل تعاظم تأثيرات التغيرات المناخية عليها، وزيادة الضغط على الموارد المائية بفعل الزيادة غير الطبيعية في النمو السكاني الناتج عن التدفق الهائل للاجئين.

من ناحيتها، حثّت الخبيرة الأردنية في دبلوماسية المياه ميسون الزعبي على أهمية خروج الوفد المشارك الأردني في مؤتمر تغير المناخ المقبل، بـ”حزمة مشاريع للتكيف أو التخفيف من آثار تغير المناخ، مزودة بكافة الدراسات والتحليلات المطلوبة وعرضها على المشاركين لجمع التمويل لها”.

وقالت إن “أهمها مشروع الناقل الوطني الذي يعتبر أولوية، والتأخير بتنفيذه سببه نقص التمويل، علما أنه مؤهل للاستفادة من أموال التغير المناخي إذا تم تقديمه بالطريقة الصحيحة”.

وأعربت الزعبي عن أملها أن يتم “إعلان نوايا لمشروع عربي – عربي للبحث في جدوى مشروع إقليمي مشترَك للطاقة والمياه”، يتمثل هدفه في “تعزيز إنتاج كهرباء نظيفة وتحلية المياه من خلال إيجاد حلول عملية لتداعيات تغير المناخ وتأثيراته على أمن المياه والطاقة بالمنطقة”.

وعلى الصعيد ذاته، أضافت أنه “رغم موافقة الدول المتقدمة على وجوب تقديم المساعدة المالية للدول النامية للتكيف مع تبعات تغير المناخ، إلا أن آليات التمويل التي أُنشئت بعد إبرام اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، غير مرنة وتأخذ وقتا طويلا، كالتمويل المقدم من صندوق المناخ الأخضر”.

وفي إطار العدّ التنازلي لانعقاد القمة الـ28 لمؤتمر الأطراف في دبي، وهي القمة التي تعقد سنويا في دول مختلفة وتجتمع فيها الأطراف الموقعة على اتفاقية باريس، لمناقشة التقدم المسجّل في مجال خفض انبعاثات الوقود الأحفوري، ومناقشة التمويل اللازم لمواجهة تبعات التغير المناخي وبناء القدرات للتكيف والصمود، اعتبرت الزعبي أن “تقدم المفاوضات في ملف التمويل المناخي وصندوق الخسائر والأضرار بشكل خاص، والذي تم الإعلان عنه في القمة السابقة التي عقدت في شرم الشيخ؛ مقياس نجاح القمة من عدمه”.

وتابعت: “وعليه من أهم الأوليات للدول وخصوصا المتضررة؛ منها حشد الجهود لتفعيل الصندوق ورسملته”.

وصندوق المناخ الأخضر، الذي يمثل الصندوق الأكبر بالعالم للعمل المناخي في الدول النامية، هو كيان تم تأسيسه العام 2010 وفق اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، يختصّ بتشغيل الآلية المالية لمساعدة البلدان النامية في ممارسات التكيف والتخفيف لمواجهة تغير المناخ، حيث يموّل مشاريع وبرامج تقترحها تلك الدول ويضمن إدارتها بشفافية.

وبينت أنه رغم صعوبة الإجراءات وصرامتها، استطاع الأردن من خلال منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، الحصول على تمويل مشروع “بناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ في الأردن عبر تحسين كفاءة استخدام المياه في قطاع الزراعة”، حيث حصل على منحة دعم من الصندوق بقيمة 25 مليون دولار، بالإضافة إلى مساهمات من شركاء التنفيذ – منظمة الأغذية والزراعة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والحكومة الأردنية ممثلة بوزارات الزراعة، والمياه والري، والبيئة، بحيث أصبح التمويل المتوفر 33.25 مليون دولار.

وتتعاظم دعوات دولية للحاجة إلى تحرك عالمي عاجل منسق عبر جميع القطاعات والمؤسسات؛ لضمان عالم يتمتع بالأمن المائي، مؤكدة زيادة الشمول لمساندة التنمية وضمان تقاسم منافع المياه.

وبينت تلك الدعوات أن مثل هذه التغييرات، تتطلب تأسيس الشراكات ووضع السياسات وتوفير التمويل، ما يعني الحاجة إلى استثمارات وتمويل أكبر بكثير للبنية التحتية المرتبطة بالمياه والمؤسسات.

وتمثل تلبية الاحتياجات التمويلية العالمية للمياه تحديًا كبيرًا بشكل خاص، حيث تشير التقديرات إلى أن البنية التحتية للمياه تتطلب مبلغًا هائلاً قد يصل إلى 6.7 تريليون دولار بحلول العام 2030، و22.6 تريليون دولار بحلول العام 2050.