تعتذر الملاذ عن نشر صور وفيديوهات القاتل لحظة انتحاره حفاظا على المصلحة المجتمعية وألهم الله ذوي الطالبة ايمان الصبر والسلوان #يعود_الحدث_إلى_رشده #عاجل

الانتحار بالتقليد.. لماذا يجب أن نتوخى الحذر في نشر حوادث الانتحار؟

“في النهاية، يحتاج المرء إلى شجاعة أكبر تُبقيه على قيد الحياة، بدل أن يقتل نفسه”

(ألبير كامو)

في عام 1774، نُشرت رواية “آلام الشاب فيرتر” (The Sorrows of Young Werther) للروائي الألماني غوته، وكانت أول أعماله. كانت على شكل مذكرات تحكي قصة الشاب “فيرتر” غير السعيد، العاطفي واليائس في حب شارلوت زوجة صديقه. وهي محاكاة لواقع الكاتب غوته الذي كان أسير حب شارلوت بوف، التي كانت حينها مخطوبة لصديقه. في هذا العمل، الذي يُمكن اعتباره سيرة ذاتية للكاتب، يُطلق البطل النار على نفسه بعد حب مشؤوم. بعد فترة وجيزة من نشر الرواية، كان هناك العديد من التقارير التي رصدت أعدادا من الشبان الذين يستخدمون الطريقة نفسها للانتحار، وقد أدّى ذلك إلى حظر الكتاب في عدة أماكن. ومن هنا جاء مصطلح “تأثير فيرتر”، المستخدم في الأدبيات الفنية لترميز حالات الانتحار المقلدة. (1)

 

وحسب دراسة (2) قدّمها المعهد الوطني للصحة العقلية في الولايات المتحدة الأميركية، فإن الانتحار يُعَدُّ السبب العاشر الأكثر شيوعا للوفاة. وفي التقرير ذاته نُصح بأخذ تصريحات الانتحار على محمل الجد، فحين يُفصح أحدهم أمامك عن رغبته في إنهاء حياته، يجب عليك أخذ الموضوع بجدية ودون استخفاف، لأن كلماته قد تُخفي رغبة حقيقية في الموت. ولكن هناك أيضا مخاوف من تأثير الإعلام في زيادة معدلات الانتحار، في ظاهرة تُسمى “مُحاكاة الانتحار” التي تجعل أوساط الشباب يُقلِّدون المُنتحِر لكثافة تداول تفاصيل ومشاهد انتحاره. فما أسباب هذه الظاهرة؟ وهل هي حقيقية أم مُجرد مصطلح يُستخدم في “الإعلام” للترهيب دون أساس؟

الإعلام وتأثير فيرتر.. أسطورة أم حقيقة؟

“كل شيء يؤثر على كل شيء”

 

(جاي آشر)

 

 

 

في العلوم الاجتماعية والطب، يُستخدم مصطلح “تأثير فيرتر” (Werther-effect) مرادفا للآثار المقلدة التي تُعزِّز السلوك الانتحاري بسبب وسائل الإعلام. في رواية غوته، يمكن أن يجد المتلقي المعاصر الكثير من التفاصيل اللافتة، أحدها يكمن في الوصف التفصيلي للحالة العقلية لفيرتر، مما يوحي أن الانتحار يلعب دورا في الرواية قبل وقت طويل من وقوع الانتحار في النهاية. على الرغم من وجود العديد من التقارير حول تأثيرات التقليد المرتبطة بتأثير فيرتر في الأعمال الأدبية، فإنه لا يمكن تحديد المدى الوبائي لهذه الظاهرة. كما أن البحث العلمي الاجتماعي الحالي حول تأثير قصص الانتحار على السلوك الانتحاري لا يُمكن أن يزيل بالكامل النقص المتبقي من الأدلة في إثبات وجود هذه الظاهرة.

 

 

 

ومع ذلك، تدعم العديد من الدراسات الفرضية القائلة إن بعض جوانب جودة التقارير التي يُقدِّمها الإعلام يمكن أن تؤدي إلى زيادات قصيرة الأجل في حالات الانتحار. في النمسا، تم إصدار “مبادئ توجيهية لوسائط الإعلام الخاصة بالإبلاغ عن حالات الانتحار” لوسائل الإعلام منذ عام 1987 كتجربة وقائية ضد الانتحار. منذ ذلك الحين، كانت أهداف التجربة هي تقليل عدد حالات الانتحار ومحاولات الانتحار في مترو فيينا والحد من إجمالي أعداد الانتحار. بعد إدخال الإرشادات الإعلامية، انخفض عدد حالات الانتحار ومحاولات الانتحار لأكثر من 80٪ في غضون 6 أشهر. منذ عام 1991، انخفضت حالات الانتحار -بالإضافة إلى محاولات الانتحار- ببطء وبشكل ملحوظ. بالتزامن مع زيادة أعداد الركاب في مترو فيينا، والتي تضاعفت تقريبا، سُجل تراجع إجمالي لأعداد الانتحار في فيينا (-40٪) والنمسا (-33٪) منذ منتصف عام 1987. وهذا ما يزيد من معقولية فرضية “تأثير فيرتر” والحاجة إلى الإرشادات التي تُقدَّم لوسائل الإعلام التي تؤثر بدورها على نشر السلوك الانتحاري

لماذا يُقَلَّد الانتحار؟

“لا يستحق الأمر عناء قتل نفسك، لأنك تقتل نفسك دائما بعد فوات الأوان”

 

(إميل سيوران)

منذ عدة أيام، أقدم طالب كلية الهندسة في مصر “نادر” على الانتحار قفزا من أعلى برج القاهرة، وانتشرت رسالة تنسب إليه تقول إنه بعد دراسة استمرت خمس سنوات في الكلية قرر الانتحار بسبب الضغوطات التي لحقت به جراء الدراسة ومتطلباتها الصعبة، إضافة إلى معاناته مع الاكتئاب والوحدة وبعض المشكلات الأخرى. انتشر مقطع انتحاره وقفزه من أعلى البرج انتشارا واسعا بين وسائل التواصل الاجتماعي ممتدة بين أقطار الوطن العربي، مما أدى بدوره إلى تبادل وجهات النظر بفعل نادر، وهل ما فعله صواب، هل من مُبرر، بالإضافة إلى جدلية “الحلال والحرام”. وعلى الجانب الآخر من فوضى التعليقات وإبداء الآراء وإطلاق الأحكام السريعة، كان هناك مطالبات عديدة بعدم مشاهدة المقطع أو نشره من الأساس، خوفا من “تأثير فيرتر” أو “محاكاة الانتحار” وتقليده.

وفي حلقة من حلقات “الأطباء” (the Doctors)، يُناقش دكتور فيليب سي ماكجرو التأثير الحقيقي لمقاطع الانتحار، وكيف أنها تدفع بعض الشباب الذين يُعانون من درجة الاكتئاب نفسها أو الإحباط الذي عانى منه المُنتحِر إلى الإقدام على الانتحار باعتباره الخلاص والحل. ويلفت النظر لنقطة غاية في الأهمية، فيقول إن التعاطف الذي يُبيّنه رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع المُنتحِر يزيد من رغبة “الراغب في الانتحار” في الإقدام على الانتحار، لأن حاجته الأساسية هي التعاطف، والاستماع له ولمطالبه. فيقول إن الإعلام يجب أن يلتزم بعدة مبادئ أخلاقية لنقل أحداث الانتحار، بطريقة لا تزيد الأمر سوءا أو تُضاعف عدد الضحايا. وهذه مسؤولية لا تتحملها المؤسسات الإعلامية فقط، بل كان بالإمكان لوم وسائل الإعلام وحدها في الماضي. أما الآن، فمواقع التواصل الاجتماعي تتحمل مسؤولية أكبر في نشر وتوسيع نطاق وصول المعلومة، أو المشهد، أو الخبر. ويختم: يظن المُنتحِرون أن العالم سيكون أفضل بدونهم، وهذا خاطئ في المُطلق، يجب عليك أن تبحث عن المساعدة قبل أن تفقد الأمل!

تأثير انتحار المشاهير

“يعتقد المُنتحِر أن انتحاره يوقف الألم، لكن كل ما يفعله هو تمرير الألم لمَن تركهم خلفه”

 

(جانيت وولز)

إن اتساع نطاق دائرة انتشار الخبر، بالإضافة إلى شهرة المُنتحِر، تزيد من احتمالية تقليده من قِبل الجمهور. حيث أثبتت دراسة أميركية (4) زيادة 10% في معدلات الانتحار بعد أربعة أشهر فقط من انتحار الممثل روبن ويليامز. وتُعَدُّ هذه الدراسة الأولى التي تبحث في عواقب انتحار المشاهير في العصر الرقمي. لوحظ زيادة في حالات الانتحار بين الرجال (1398 حالة انتحار زائدة)، والأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و44 (577 حالات انتحار زائدة). وجد الباحثون أيضا عددا أكبر من المتوقع من حالات الانتحار التي تشمل الاختناق -والتي تتضمن الشنق- في الأشهر التي تلت وفاة ويليامز: زيادة بنسبة 32٪ في الطريقة التي استخدمها الممثل الكوميدي نفسه. بالمقارنة، ارتفعت طرق الانتحار الأخرى بنسبة 3٪ فقط.

 

 

 

وقال الدكتور فينك المسؤول عن الدراسة إن التقارير الإعلامية -بعضها وصف كيف شنق ويليامز نفسه- ربما تكون قد وفرت “القدرة اللازمة لشريحة عالية الخطورة من سكان الولايات المتحدة، رجال في منتصف العمر وفي حالة يأس، على الانتقال من مرحلة التفكير في الانتحار إلى مرحلة المحاولة”. (5)(6)

 

أضاف مُقدم الدراسة الدكتور فينك إنه على الرغم من أنه لا يستطيع أن يقول على وجه اليقين إن موت ويليامز قد ألهم حالات الانتحار المقلدة، فإن الارتفاع الكبير في حالات الانتحار إلى جانب تقارير إعلامية متكررة حول وفاة الممثل يشير إلى وجود صلة، ويُضيف: “تدعم هذه الدراسة الكثير مما نعرفه بالفعل عن تأثير بيئتنا على سلوكياتنا بشكل عام والانتحار بشكل خاص، حيث يحتاج صانعو السياسة والباحثون إلى فهم أفضل للدور الذي تلعبه وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية في السلوكيات الانتحارية، لفهم كيفية التخفيف من هذه الوفيات بشكل أفضل”. (7)

 

 

 

هل تلعبُ دورا في كل هذه السيناريوهات؟

“استمر في اجتياز النوافذ المفتوحة”

 

(جون ايرفينج)

 

 

 

نعم، كإجابة مُختصرة. إن كنت أحد رُواد مواقع التواصل الاجتماعي، فبالتأكيد تلعب -وغيرك- دورا فاعلا في نشر المقاطع أو الأخبار، أو إبداء رأيك رُبما، أو إطلاق الأحكام. ولكن كسلوك وقائي يُنصح بعدم تداول المقاطع التي يُمكنها أن تؤثر على مُستقبِلها، حتى لو لم تؤثر عليك أنت شخصيا. وبالنظر للأمر من زاوية أخرى تلعب بها دورا لا يُمكن تهميشه، وهو وجودك مع شخص يُظهر بعض العلامات التي تُخبرك برغبته في الانتحار، أو المُحاولة!

 

– لا تتركه لوحده.

 

-استمع له.

 

– لا تستهن بالموضوع أو تحاول الاستهزاء به.

 

– لا تُهاجمه أو تُوبخه.

 

– اطلب المساعدة.

 

– إن كان صديقك، أخبر ذويه.

 

 

 

لا يمكن إنكار حقيقة أن مواقع التواصل الاجتماعي تتفوق أحيانا في نشر الأخبار والمستجدات بشكل أسرع من المؤسسات الإعلامية نفسها أو وكالات الأخبار. لذا، وكامتداد لهذه الحقيقة، فأنت ناقل للخبر مسؤول عن تبعاته، وإن لم تعِ خطورة تبعاته فأنت تنشر “مشكلة” لا خبر.