ندوة حول رواية “جسر عبدون”، للروائي قاسم توفيق

عمان- ناقش منتدون أول من امس رواية “جسر عبدون”، للروائي قاسم توفيق، في ندوة نظمها منتدى الرواد الكبار، نشارك فيها كل من الدكتورة عالية الصالح، والروائي مجدي دعيبس، وادارتها المستشارة الثقافية للمنتدى القاصة سحر ملص.

ورواية “جسر عبدون”، تحاول ان تحتفي بكل ما في الحياة من جمالات وانتصارات ومتع وأفكار نبيلة، دوان اغفال عما يسود الحياة من فساد وخيبات وانكسارات، وهي سردية بانورامية ممتعة، تحضر فيها سير شخصيات تخوض مغامراتها على مسرح واسع للأحداث بين مكانين”الدفة”، “عمان”.

 

المشاركون في الندوة أكدوا على ان رواية جسر عبدون هي اكثر من رواية في رواية واحد، الناقدة الدكتورة عالية صالح رأت انها رواية عمّانية بامتياز، بحركة شخوصها وتطور وتغيّر حيواتهم، بتوسع المدينة وتطور نشاطات ساكنيها، بعلاقتها بدول مختلفة، تحركت شخوصها على أحيائها وتنقلت من القديم إلى الحديث بناء على نشاطها الاقتصادي، غادرتها شخوص بحثا عن ذاتها وحلمها وهويتها، فارتحلت طواعية وكرها من عمّان إلى القاهرة والخليج العربي، ولبنان وأميركا، وإيطاليا، وروما، والدفّة. وظلت عمّان المنطلق والمستقر لرحلة الآلام والتحدي.

وقالت صالح قدّم توفيق في هذا العمل عوالم إنسانية متعددة، وأطلّ على ما يملؤها من أحلام ورغبات وقيم، وكشف الصراعات الجدلية الإنسانية الوجودية التي يختلط فيها الخير والشر، والحرام والحلال، والصلاح والفساد، وهي رواية الأدباء والعلماء والأطباء، والتجّار، والآباء والأمهات، والبنين والبنات، وأصحاب المشاريع، ودور النشر، والعمّال بنشاطاتهم المختلفة الرفيعة والوضيعة، الحلال والحرام. إنها رواية رأس المال الذي يستعبد كل من يسعى لامتلاكه.

ورأت صالح أن الرواية تميزت بالانحدار وبالسرد الذي يقوم على الراوي الذي يروي بضمير المتكلم “الأنا”، وهي رواية مشوقة تستدرج القارئ بعناصرها الفنية التي تقوم على التقطيع والإرجاء، فرواية الانحدار، تقدم على خمسة عناوين غير متتابعة بضمير المتكلم. كما تقدم شخصيات الرواية بواسطة الراوي العليم على دفعات، ففي كل فصل يرد ذكر الشخصية يضاء جانب من جوانب حضورها ودورها.

من جهته رأى الروائي مجدي دعيبس إن رواية “جسر عبدون”، شاسعة تطرح أسئلة كثيرة وقضايا ملحّة وتجبر القارئ على الالتفات لتأمّل ما يحدث، وربما يعيد القراءة في بعض المواضع، وربما يقفز عن اللغة في مواضع أخرى ليصل إلى الحدث، مبينا ان المؤلف في هذه الرواية كان يبحث عن فسيفسائية برؤية متشابكة تعكس حال التّعقيد الذي تسرّب إلى المشهد الذي نعيشه ونعاينه كل يوم.

واعتبر دعيبس الرواية بانها محاولة جادة للإحاطة بما يؤرقنا ويثقل كاهلنا في هذا الزمن المر وهذه الحياة المستعصية على الفهم والإدراك، لافتا لما جاء في تصدير الذي يقربنا من أجواء الرواية عندما أكّد على حقيقة بسيطة هي “أنّنا كلنا خطاة وكلنا أبرياء”، أيضا يقول توفيق “يا قديسة مريم يا أم المسيح صلي لأجلنا نحن الخطاة/ يا قدّيسة مريم يا أم المسيح صلي لأجلنا نحن الأبرياء”.

وأشار دعيبس الى أن الرواية جاءت في جزئين؛ الأول “أوطان صغيرة”، والثاني “أوطان مهشّمة”، وهذا الاختيار يدلل على تشتت الشخصيّات ومعاناتها وتفتّت دواخلها، وتحت كل جزء جاء عناوين فرعيّة تعطي القارئ تلميحا وأحيانًا تصريحًا بما يلي من سرد وأحداث، كان السارد العليم مسيطرًا على العناوين الفرعية في الرواية الخارجية، بينما تولّى ضمير المتكلّم عملية السرد في الرواية الداخليّة وعلى لسان بطلها أو الشخصية الرئيسة فيها وهو عادل سليمان.

وقال دعيبس ظلّت شخصيات الرواية تعاند أقدارها وتبحث عن طريق للخلاص ومخرج من المأزق التي وجدت نفسها عالقة فيه، فهي شخصيات متشظيّة تحاول لملمة أجزاءها للوقوف في وجه الحياة النكِد، حيث تمرّ بأزمات حادة تزلزل كيانها وتدفعها إلى تخوم بعيدة عن نقطة الاتزان النفسي والاجتماعي، تجدّف ضد تيار ماء لا يرحم، ولا ينظر في وجوه من يقعون فيه لأنهم مجرد أجسام تخضع لقوانين الفيزياء المجردة من المشاعر والأحاسيس.

تلا ذلك قدم الروائي قاسم توفيق شهادة إبداعية حول رواية “جسر عبدون”، وكيف جاءت فكرتها قائلا “التقيت ذات يوم مع رجلٌ للمرَّةِ الأولى في العمارة التي اسكن بها، ولم يبدُ على الرجل أنَّه غريبٌ يبحث عن عنوانٍ ما، ولا حتى من سكّان البناية، ألقى عليَّ سلامَ العابرين، كان صوتُهُ أقرَبَ لأصواتِ الأطفال، أو كمُواءِ قطٍّ خائفٍ. لفتَني التبايُنُ الغريبُ بينَ صوتِهِ وحركاتِهِ، وبينَ شكلِهِ الذي يوحي أنه قارَبَ الأربعينَ من العمر إنْ لم يكُن قد تجاوَزَها. لونُ بشرَتِهِ شديدَ البياضِ، وكأنَّه يُعلنُ أنه لم يَرَ الشَّمسَ منذ زمنٍ بعيدٍ. هذا البياضَ، يشعِرُني دائماً أنَّ صاحبَهُ مريضٌ بشدّة”.

تابع توفيق عندما دخلتُ شُقَّتي سرد علينا ابني الصغير حكاية الجارة قائلا “هل عرفتُم أنَّ لِجارتِنا أمّ عامر ولداً آخر؟”، “تخيَّلوا أنَّ ابنَها هذا ظلَّ معتكفاً في غرفتِهِ طوال ثماني عشرة سنةً كاملةً، مِن يومَ أنْ جاءت للسَّكن هُنا، وقرَّرَ يومَ أمس فقط أنْ يكسِرَ سجنَهُ ويخرُجَ إلى الدُّنيا”، مبينا ان الرواية ليس قصة ذلك الرجل وإنْ كان روحَها، فيها بل صرت مشغول في التفكيرِ بمعنى وجودِ البشر، وما الذي يجعلُهُم يختارونَ ما يحبّونَهُ ليعانوا بعدَها في التخلُّصِ منه، ابتدأتُ كتابةَ هذه الرِّوايةِ في 20 يناير 2020 ، بعد أقلَّ بقليلٍ من سنةٍ على لقائي بهذا الشابّ أمامَ المصعد، وانتهيتُ منها في 8 مارس 2021.