المياه الحمراء بنهر بيروت قبل عامين تتكرر في البحر الميت.. ماذا قال تقرير المختبر عنها؟

كما كلّ الفضائح التي مرت وستمر على لبنان، شكّل تلوّن ​نهر بيروت​ باللون الأحمر عام 2012 فضيحة إضافية حاولت الدولة جاهدة إبقاءها طيّ الكتمان بمعاونة إحدى الجمعيات الدولية التي عملت على هذا الموضوع واخذت عينات من المياه الحمراء لفحصها، واختفت.

في شباط من العام 2012، حصلت المعجزة، فمياه نهر بيروت تحولت إلى اللون الاحمر. إنها رواية أدونيس وعشتروت إنما في نهر بيروت. هكذا تمنينا أن تكون، إلا أنها لم تكن كذلك، فاللون الاحمر ما هو إلا تلوث بيئي أصاب النهر.

بظل الحملة التي تقوم بها وزارة الصحة لمكافحة فساد الغذاء والمياه، لا بد من اعادة التذكير بما جرى عام 2012 في نهر بيروت، اذ ان وزير البيئة آنذاك ​ناظم الخوري​ ضرب يده على صدره ووعد اللبنانيين بكشف حقيقة المادة الحمراء التي صبغت مياه النهر وتوقيف المعتدين. رحل الوزير الى منزله وبقي الامر مخفياً، ومن بعده استلم الوزير الجديد ​محمد المشنوق​ وزارة البيئة ولا يزال الامر غائبًا، فأين اذا تعاون الوزارات لمكافحة الفساد والتلوث، وأين الاستمرارية؟

في 16 شباط عام 2012 قام السيد عبد حرب بتسليم مختبر مستشفى الجامعة الاميركية في بيروت عيّنة من مياه نهر بيروت المصبوغ بالاحمر سُمِّيَت “مياه الصرف الصحي من أنابيب الصرف الصحي من نهر بيروت”، جمعها السيد بسام صباغ الموظف في وزارة البيئة، من نقطة “الجسر تحت الشفروليه–الحبتور” بتاريخ 15 شباط 2012، وتم الاتفاق على التواصل بين المختبر والوزارة عبر صباغ نفسه.

بعد اجراء التحليلات اللازمة، أصدر المختبر تقريره الذي بقي طيّ الكتمان وستكشف “النشرة” عن أبرز ما جاء فيه لتبيان “حجم الجديّة” التي عملت بها وزارة البيئة، إذ تبيّن حسب التقرير وجود صباغ عضوي مشبوه ملقى في النهر ومجمّع من أنابيب الصرف الصحي، إلا أنه، وهنا الامر الاهم، تم إبلاغ صباغ هاتفياً أن كمية العيّنة قد لا تكون كافية لاجراء الاختبار المعتاد. رغم ذلك، أكد المختبر أنه سيبدأ باستخراج “التلوين العضوي المشبوه”، غير انه نظرا لعدم كفاية حجم العينة، سيشكل هذا الأمر نوعًا من التقييد لوحدة اختبار التقييم لاعطاء نتائج حاسمة.

وجاء في التقرير: “حجم العينة المقدمة غير كافٍ للسماح باجراء تحاليل مفصلة”، واضاف: “لم يتم الكشف عن وجود الكروم السادس والسيانيد في العينة، وأثبتت الاختبارات الميكروبيولوجية أن البكتيريا كانت لا تزال على قيد الحياة في مياه المجاري لفترة طويلة بعد اتصالها مع المواد الكيميائية”. اما في ما يتعلق بمادة التلوين الوردية، وبعد التحليل لكمية الحد الأدنى المقبول، يشتبه بأن تكون هذه المادة “الصباغ الوردي الفلورسنت” المستخدم في صناعات مختلفة وفي عدة تطبيقات في كميات واسعة النطاق. واشار التقرير الى انه “خضع الحجم الأدنى المقدم لتقنية فصل المواد ولتقنية الفحص الضوئي، لكن لم ينجح المختبر بالمزيد من التحديد بسبب تلوث المواد وغياب معيار النقاوة والمعلومات عن المادة”.

اذا قدمت وزارة البيئة عيّنة غير كافية لاجراء الفحوصات، ولم تحرك ساكنا بعد تقرير المختبر، وتوقّفت الامور عند هذا الحدّ، واللبنانيون معتادون على نسيان ما حصل. وكما فعلت وزارة البيئة فعلت منظمة “green peace”، التي اخذت عينات من المكان لفحصها واختفت، مع الاشارة الى ان هذه المنظمة التي حاولنا الاتصال بها لم يعد لها وجود في لبنان، وهنا تشير الخبيرة البيئية صبحية نجار في حديث لـ”النشرة”، الى انها حاولت العمل على هذا الملف في حينه الا انها اصطدمت بجدار صلب، فكل من هو على علاقة بالامر نسي كيفية الكلام، مؤكدة ان عمل المنظمات والجمعيات الدولية في لبنان عليه العديد من نقاط الاستفهام فأغلبها كان لجمع الاموال فقط.

عامان انقضيا على تلك الواقعة، ومن أخذ يومها كلام الوزير الخوري على محمل الجد اصيب بخيبة أمل، ومن ظن أنّ حماسة وزارة البيئة وقتها ستؤدي الى نتيجة، أصابه الاحباط، فعمل الوزارات في لبنان لا يرقى الى مستوى آمال اللبنانيين، الامر الذي تغير قليلا مع انطلاق حملة سلامة الغذاء، وبما ان الماء من اركان الغذاء، ربما تبحث وزارة الصحة عن سبب تلوث نهر بيروت في عام 2012 وما بعده اذ ان المصانع في تلك المنطقة تنتظر تدفّق مياه النهر شتاء للتخلص من نفاياتها، وهي حتما بانتظار غزارة الأمطار هذا العام، وعندها قد تكتشف الوزارة خفايا كبيرة. فهل ستغير الوزارات نظرة اللبناني اليها؟ الايام كفيلة بالرد على هذا التساؤل.