أ. ب. بوباية..!

 تــينا المومني… كنت أظن أن الإضراب في هذا الوطن مـُـجرد ” شوو أوف ” كتبت عنه أقلام رصاص لإيهامنا أن للوطن وجهًا آخر، غير الذي تنكر به زمناً، وأنه – يا رعاك الله- مجتمع فاضل عفيف، وما “الشقاق والنزاع” بين حكومته وعماله إلا ذنوب قابلة جداً لأن تـختفي بتصريح، وحوار، و ” محاية”.

لقد خابت ظنوني، عندما رأيت معلمي السابق يراوح في مكان آخر داخل وخارج أسوار المدرسة، اعتقدت أنه استطاع أخيراً شراء سيارة بشاشة ملاحة و جي بي إس – وبدو يغير جو- ولكن عندما سمعته يتحدث بغير عادته في الرياضيات، ويتحدث عن هموم المعلمين ومطالبهم بعلاوة تؤمن لهم احتياجات ساذجة مثل الصحة والسكن والأكل، خاب ظني تماماً.. تباً، من هذا الماركسي الذي ابتلع معلمي؟!، وجعله يتطاول على الذات الحكومية التي لا يأتيها الباطل – ولا النهضة أيضاً- من بين قدميها ولا من تحت يديها – فلا تّبت يداها وأدام الله نهضتها-.

أما قبل، قررت أنا – وأعوذ بالله مني ومن هذه الكلمة- حيث أنه – أي أنا- غير مسؤول عن أي كلمة أكتبها، أو حتى أبحث عنها لأنني مصدر غير موثوق عند الأوساط النهضوية، فلا أثق بأقوالي أو كتاباتي ولا أثق في نفسي أيضاً، أقول قررت أن أبحث في تاريخ معلمي هذا علّي أعرف كيف جعلوه مضرباً، وكيف تلبّسه ذاك الماركسي وشوه صبر معلمي، فصار متمرداً، لقد كانت درجة غليانه معلومة لدى جميع الطلاب يستل طبشورته برفق بنا وباللوح -أقصد السبورة- فيبدو أن شيئاً قد اشتعل تحته أو ربما أُخرج من ثلاجة هيدروجين كان قد وُضع بها .. لا أعلم.

أما بعد، وجدت أن هذا المعلم – سامحه الله- عضو في نقابة للمعلمين، ولمن لا يعلم فهم – يا رعاني ورعاكم الله- يجتمعون ويلتفون حول بعضهم كحلَق الذكر أو أشد قرباً، يتدارسون تعكير مزاج الحكومة وعلية القوم، برفض كل حلولهم التي جيئت بسيارات فارهة، تلوكها ألسنتهم وهم يقلبون أفخر ربطات العنق الصفراء والحمراء الفاقع لونها عن بعد وتسر الناظرين، بل وصل بهم الجُرم إلى عدم أخذ ” سيلفي” معهم حتى.

ثم ولأنني مواطن صالح لست مأجورًا لأجندات وجهات داخلية -كالمواطن المسكين والعامل وابن السبيل وما أكل بعضهم ماله ومآله – قررت أن أتطوع بتدريس أي مادة – باستثناء الكرامة- فدخلت الصّف المدرسي مسرعاً وقلت لطلاب معلمي : ” أنا بكتب على اللوح وانتوا ردوا ورايه” وكتبت :” عزيزي المعلم المضرب هذا الملف الذي تحمله وتحاور به على حساب مصلحتي وكل حرف فيه من قرطاسي ومحبرتي “…

تباً، لم يردد أحد ما قلت، فتيقنت حينها بأن إضراب المعلمين أسعفنا بحجر يوقظ غفلتنا، فمشاكلنا لا تنتهي بالتحرك كل خميس نحو الرابع ولا بإسقاط رئيس حكومة أو بتبديله أو بالعبث في تسمية حقائب حكومته أو بحامليها، بل بانتزاع الحقوق ، فقد أعادت النقابة للمعلمين هيبتهم وكرامتهم حتى قام الكل لهم مبجلاً ولم يكادوا يا شوقي بل صاروا رسلاً، فإن عادوا ذات هزيمة بلا علاوة الــ 50 % -لا قدر الله- سقط جيل بأكمله، اعلم يا صاحبي.