مسيرة فلاح و “البريستو” ..! ما هكذا تورد الإبل يا دكتور

تــينا المومني… بقيصرية من خاصرة القمع يولد الطفل العربي ” أخدجاً ” يصرخ بــ “لا”, من فطامه إلى أن يترسب بدماغه أن “لاءاته ” ليست مقدسة ، ومن الممكن تجاوزها، أو حتى التمرد عليها, ربما لأن معظمها جاء من حيث ” لا تنه عن خلق وتأتي بمثله ” !!.
في الوقت الذي أثارت به جملة تعيينات لمجلس الوزراء الرأي العام, لصلتها بنواب في المجلس الحالي مما اعتبر “تنفيعات وترضيات”, يسير على الأقدام، دكتور أردني وجميع أبنائه البالغ عددهم “13” تتراوح أعمارهم بين العامين و 19 عامًا، من الطفيلة إلى عمان بحثاً عن وظيفة جديدة له, أطفاله يعانون من تورم في الأقدام و صعوبة في التنفس، نتيجة تعرضهم للبرد القارص، والسير لمسافة طويلة – لا نعلم إن كانت شفاه أحدهم قد نطقت بــ “لا” هذا طبعاً إن سُئلوا عن رأيهم في المسير- أما عن الواقع.. فتعال, مسؤوليين أكدوا بأنه موظف ويُعطي دروسًا إضافية في جامعة حكومية، ويتقاضى راتب معلم منذ 20 عاماً, وبأنه تجاهل موعداً مع رئيس جامعة مؤتة لبحث تعيينه وارتأى أن يكمل المسيرة التي بدأها. هل ذكرتُ المسيرة؟! .. عفواً ولكن هل يعقل أن مسيرة الرجل هي المراوحة من مكان لمكان وكأن الهدف الحقيقي منها ” التعرق” وليس الحصول فعلاً على وظيفة ؟!..
ما يلفت النظر في هذا السياق, أن بعض الأفراد ينسجون على منوال الحكومة والنواب ومبدأ “الضغط والتنفيعات” التي أثارت سخط الشارع العام, وبإمعان النظر فيه واستلهامه تتداعى إلى الذهن، وتتوالد فيه أسئلة رديفة حول استمرار خلط الفرد بين واجباته وحقوقه، ما أدى إلى تفكير أغلبية الأفراد بالحقوق، قبل الواجبات، بل على حسابها أيضاً, لذا صارت الطروحات المطلبية ظاهرة تاريخية بين الحكومة والأفراد، ويكون المسؤولون في أغلب الأحيان في حرج من رد المطالب “الحقوق” بالتوعية بالواجبات، فالمواطنة ليست حقوقاً فقط، بل هي واجبات وطنية أولاً تصدر عن وعي، ويبدو أن المسؤولين لم يفلحوا في توعية بعض الأفراد بواجباتهم الوطنية وإقناعهم بضرورتها.
إن تماسك البُنى الفوقية بــ “الوعي والالتزام” أساس نجاح تشييد البُنى التحتية, ولطالما ارتبك المسؤول أمام مطالبة الأفراد بتنفيذ الخطط وتحسين الإنتاج وزيادته ومكافحة الفساد والبطالة والفقر والترهل الإداري, وهذا ما دفع الأفراد إلى الظن بأن هذه الأمور ليست من واجبهم، بل محصورة بالحكومة التي هي غالباً محط شك، الأمر الذي يؤدي إلى إضعاف الحالة الوطنية.
بقدر ما يعرف الجميع فإن الأردن يتعرض لضغوطات خارجية وداخلية, فقبل أيام قليلة، أردني “مُتَألمِنْ” أو ” يَتَلأْمَنْ” لا أعلم, يطلق صفحة “jordan law” على موقع الفيس بوك راح يوسوس للناس حتى يتقلبوا على “بوستاته” وينشر معلومات مفبركة وغير صحيحة, يشعرك بأنه سيد الخبر ومحتكره بسبب مصدر “مسطول” فهو على الأغلب ليس مسؤولاً إلا عن إحداث الفوضى في الوطن, يستهدف عقولاً جائعة تبحث عن قضمة فهم لما يحدث فيه, تستغلها جماعات ضاغطة بكل الأساليب للدخول في عملية صياغة القرار والتأثير على صانعه.
قد تسبب الجماعات الضاغطة انقسامات قوية بين شرائح المجتمع الواحد، دافعة إيّاها للوقوف بالمواجهة مع شيء من الضغينة, فإذا كانت المسيرات والحراك الشعبي ظاهرة صحيّة بصفة عامة، فإنّ هناك قدرة لفئة معيّنة على فرض وجهة نظرها لعوامل تتعلّق بقدرتها على التأثير، وليس لأسباب موضوعية في إطار شرعية تلك المسيرات والمطالب الشعبية للوصول إلى أفضل القرارات.
أريد أن أطرح سؤالاً يكون خاتمة شر على مقالنا هذا : هل يوجد ما يستحق أن أسير بــ “13” طفلًا في شارع أضيق من أن يسعهم.. أمنحهم بقعة ضوء من نار كي أتحدث عن ظلام الحكومة .. أنشر صورهم فوق وسادات أكتب عليها ” أريد حلاً”.. أستغيث بصوتهم النائم المبلل وأبرر مطلبي العاري من نصف لحاف أحدهم..؟! سيقول أحدكم: “يبحث عن وظيفة كي يطعمهم”.. بل بحثاً عن رغيف ذبحٍ لهؤلاء الأبرياء, فإقحام الأطفال في المسيرات والمظاهرات والحملات يتنافى مع حقوق الطفل السياسية والدينية والأخلاقية, ويؤثر عليهم سلباً ويصنع منهم قنابل موقوتة في وجه المجتمع, فما هكذا يا دكتور تورد الإبل.
على الرغم من شرعية مطالب البعض و تفشي الفساد وكل مشكلاتنا الاقتصادية، يجب ذكر بعض المخاوف الواضحة, الاعتبار الأول هو أن تلك المطالب والمشاكل التي نعاني منها صدقاً لا تقتصر على الأردن وحده, فكل العالم داخل حرب مع تلك الظواهر لكن ليس كله من تتآمر الشمس عليه كي يفيق أبناؤه على الظلام, والاعتبار الثاني هو استمرار وضع الوطن في ” طنجرة بريستو” والضغط عليه من الخارج والداخل أيضاً ستجعلنا نترحم عليه ونحزم حقائبه بأيدينا كي يفر من وجه مشروعاتنا العملاقة التي رسمها غيرنا لشعوب عاملوها كالأقزام, أن نغلق على الوطن في ” البريستو” من الداخل لنضغط عليه أيضاً يعني أن نشعل الأخبار العاجلة على شاشات “الجزيرة” ونحملق في مذيعاتهم وهن يقبضن بشفاهن على الوطن بأكمله .. موت .. سجن .. نفي بالجملة والتحليلات لا زالت جارية.