ارشيف الملاذ نيوز

استبدادية المعارضة في الأردن..محمد عايش

برلمانية أردنية معارضة للحكومة وتنتمي للتيار الإسلامي تسببت في سجن ناشط “فيسبوكي” شاب بسبب خلافها معه في الرأي. الشاب وضع صورة النائبة على رسم كاريكاتيري أغضبها، فما كان منها إلا أن طلبت منه حذف الصورة عن صفحته على “فيسبوك” فتبادلا الشتائم وانتهى به الأمر إلى السجن!

النائبة الأردنية المنتخبة بأصوات الفقراء والضعفاء والتعساء والمساكين لا تدرك أن مهمتها الأساسية هي حماية حريات الناس وحقوقهم، وفي مقدمتها حقهم في التعبير عن آرائهم، كما أن من الواضح أنها لا تدرك أنها “شخصية عامة” ولم تعد ربة بيت تعمل في مطبخها، وبالتالي فهي معرضة للنقد والتقييم وعُرضة أيضاً للسب والشتم وعُرضة لأن تكون موضوعاً لرسم كاريكاتيري أو صورة مفبركة أو مقال صحافي أو تقرير. وفي كل هذه الحالات فليس من المعقول أو المقبول أن تتعامل مع نفسها على أن لها خصوصية وحصانة دون النقد أو التقييم، وأن المساحة الخاصة في حياة الشخصيات العامة تتقلص كلما كانوا في منصب عام، خاصة إذا كانوا من صناع قرار يتحكمون في حياة الناس ومصائرهم.

البرلمانية الأردنية التي تثير جدلاً واسعاً هذه الأيام في بلادها تقدمت بشكوى لأجهزة الأمن ورفعت دعوى قضائية أمام المحاكم من أجل أن تصل بالناشط الفيسبوكي راكان حياصات إلى السجن (وهو لا يزال معتقلاً حتى هذه اللحظة)، والكارثة أن الشكوى التي تقدمت بها النائبة استندت على مادة في قانون العقوبات تُجيز اعتقال الأشخاص وسجنهم وتقييد حرياتهم بسبب نشاطهم السلمي على شبكات التواصل الاجتماعي أو بسبب التعبير عن آرائهم بالكلام أو الكتابة، وهي مادة تطالب القوى المدنية والأحزاب السياسية في الأردن بإلغائها بما في ذلك الحركة الإسلامية التي تنتمي لها النائبة صاحبة الشكوى..!!

في الأردن تحتمي نائبة في البرلمان وراء قانون كانت هي ذاتها تطالب بالغائه، وكان حزبُها يطالب بالغائه، والكارثة أن قوى المعارضة لا تتردد في التحول إلى “قوى مستبدة ومتسلطة وسالبة لحريات الناس″ عندما يريدون الثأر من من ينتقدهم، أما عندما تعتقل الحكومة وأجهزتها الأمنية أحد كوادرهم لأنه “أطال لسانه” فان قوى المعارضة تتحول جميعها إلى جمعيات لحقوق الإنسان تُطالب بحماية حق كوادرها في التعبير عن آرائهم!!

بعد حادثة اعتقال الناشط الأردني الفيسبوكي الشاب حياصات بسبب انتقاده للنائبة، أو خلافه معها في الرأي؛ فلن يكون في مقدور أي أردني أو معارض أو أي من أبناء الحركة الإسلامية أن ينتقد اعتقال وسجن المدانين بتهمة “إطالة اللسان”، لأن الملك بكل تأكيد أولى بالحماية من النائبة في البرلمان وأولى بالتحصين منها. كما لا يجوز لنا أيضاً أن ننتقد الحكومة والقضاء والقانون في الأردن لأن القيادي المعروف في الحركة الإسلامية زكي بني أرشيد أمضى سنوات في السجن بسبب منشور على “فيسبوك” والسبب ببساطة أن نائبة تنتمي للحزب نفسه قذفت بشاب في السجن بسبب منشور على “فيسبوك” أيضاً. إذن أنتم متفقون على أن من يكتب رأيه على “فيسبوك” يمكن أن ينتهي به الأمر إلى السجن!!

الدعوى القضائية التي أقامتها البرلمانية الأردنية ضد ناشط شاب اختلفت معه في الرأي تمثل فضيحة مكتملة الأركان، فالبرلمانية يجب أولاً وأخيراً أن تحمي حريات الناس لا أن تصادرها، وعليها بدل الاحتماء بقانون سجن النشطاء أن تعمل تحت قبة البرلمان على إلغاء هذا القانون. أما الحركة الإسلامية في الأردن فعليها أن تخرج بموقف واضح وصريح يُبين إن كانت تؤيد سجن من يرتكبون “جريمة رأي على فيسبوك” أو تعارض ذلك، أما أن تعارض الأمر عندما يكون الضحية قياديا إسلاميا وتؤيد ذلك عندما يكون ناشطا يساريا فهذا غير مقبول مطلقاً.

بقيت ملاحظة أخيرة في هذا السياق، وهي أن رئيس الحكومة في الأردن هاني الملقي يتعرض يومياً لأسوأ أنواع السب والقذف والشتائم، وسبق أن أوقفه مواطن في مدينة إربد وأسمعه وجهاً لوجه كلاماً غير لائق، فلا الشاب الاربداوي انتهى إلى السجن ولا الذين يسبون رئيس الحكومة في الأردن أو أي من وزرائه ينتهون إلى السجن. فهل الحكومة في الأردن أكثر ديمقراطية من القوى المدنية التي تطالب بالاصلاح؟ وهل يتحول المعارض الأردني إلى “قذافي” عندما يكون ضحية رسم كاريكاتيري؟!!